ماذا لو كان لكل منا قرون استشعار تجعلنا
أكثر حساسية لما حولنا.. ماذا لو أننا استخدمنا هذه القرون في أكثر
بقعة في العالم تكدسا و تنوعا بالأصوات،، والأشكال و الآلوان،، و الروائح..!!
و ماذا لو استطعنا أن نربط هذا الإستشعار
بخالق هذه الأصوات.. و الألوان؟؟
ماذا لو كانت تجربتنا في كل مرة مختلفة.. و
كأنها اللقاء الأول.. حيث تختلط فيها مشاعر الترقب مع الحماس و الشغف و الخوف..
ماذا لو؟
دخلت كعادتي مستعجلة و جميع حواسي متنبهة
في محاولة جادة للبحث عن "أفضل" مكان لأصلي فيه. مكان يسعني دون أن أسجد
على قدم "الحاجية" التي أمامي و تركع التي خلفي فوق ظهري..
مكان لا يؤذي أنفي و هو يحاول أن يصنف
روائح البشر من حولي.. من أي دولة أتت هذه الرائحة!!
مكان يمكن لبصري أن يستمتع برؤية الكعبة
المشرفة، و لأذناي أن تستشعرا جمال القرآن في الصلاة...
وجدت بضعة سنتيميترات.. تحدها من الغرب
حاجية من شرق آسيا على كرسي متحرك..
و تحدها من الشرق حاجية تركية تبدو عليها
السماحة..
فتوكلت على الله و قررت اختبار هذه البقعة
إن كانت هي "الأفضل"!!
سلمت على من حولي و قررت أن أبدأ بالخير و
أشارك جاراتي سجادة صلاتي..
وقفت جارتي التركية و بلغة الإشارة أخبرتني
أنها ستذهب لتحضر ماء زمزم و طلبت مني أن أحجز لها مكانها "الأفضل"..
عادت و معها أربعة أكواب و كانت إحداهن من
نصيبي..، قلت لنفسي: مثل هذه الأمور لا تحدث إلا هنا..
أقمت صلاتي ثم توجهت إلى الطواف.. تلك
الآله البشرية التي لم يعطها أحدا حقها في الوصف إلى الآن..
تأملت حركة تلك الآله حول المكعب الأسود
المهيب و قررت أن تكون تجربتي هذه المرة مختلفة..
فبدلا من أن أقرأ دعاء أو قرآنا أثناء
طوافي، سوف أستشعر وجود الله في كل أمر تتفاعل معه حواسي.. فأتأمل فيه و أسبح الله
و أرى عظمة الخالق في تكوينه..
فتأملت.. و أنصت.. و شممت.. فتعجبت و تساءلت
و بكيت لعظمة الخالق..
بنما اختلفت لهجات الألسن.. توحدت لغة
الأعين..
بينما اختلفت الألوان و الأحجام و الأجناس
.. توحدت الدعوات و الوجهات و الآمال..
اختلطت رائحة عرق الغني بعطر عود الفقير..
و تزاحم الرجال مع النساء دون أن يعترض
مخلوقا من البشر..
مؤتمر إنساني روحاني يحضره عشرات الدول،
لغته الرسمية هي لغة الإشارة..
رأيت تضرعا.. و تعبا..
رأيت حنانا.. و همة..
رأيت سكينة.. و شغفا..
رأيت وجوها صغيرة عمرها أشهر و أخرى تعكس
مشقة سنين..
رأيتا اختلافا يفوق أي اختلاف يمكن أن
تعكسه الإنسانية.. و رأيت وحدة في أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
كان يمكن لتجربتي هذه أن تنتهي بتذمر و ضيق
و سخط على جهل المسلمين.. و لكنني اخترت لها أن تكون مختلفة..
رمضان/1433